"الاستراتيجية" هي همزة وصل مهمة بين الوسائل العسكرية والغايات السياسية، فهي العملية التي تُتَرجم من خلالها القوة المسلحة إلى نتائج سياسية مستهدفة.
ما يظهر جلياً أن الكيان الصهيوني يعيش أزمة كبيرة ومعقدة في صناعة القرار الاستراتيحي، فلم تعد له القدرة على إيجاد الترجمة العملية، ولا التنفيذ الملائم لقراراته الاستراتيجية بعيدة المدى.
فالأزمات المتلاحقة لحكومات العدو المتعاقبة سواء حكومة بينيت أو حكومات نتنياهو السابقة لم يكن لديهم الشجاعة لإنتاج قرارات ذات أبعاد استراتيجية، لعدم ثبات واستقرار الحالة السياسية فيه.
لقد بدأت تداعيات تصدع حكومة بينيت بالظهور على السطح، وذلك بعد أن أبدى حزب راعام بزعامة منصور عباس استعداده لمشاركة نتنياهو حكومته الجديدة متذرعاً بخدمة "الدولة"، وبذلك يستطيع الأخير تجاوز عقبة نسبة الحسم عبر حصوله على ستين مقعداً؛ ليتمكن من تشكيل حكومته دون الحاجة للذهاب إلى انتخابات جديدة، إضافة إلى خلافات بينيت مع يئير لبيد الشريك بالتناوب في حكومة بينيت.
فحسم الصراع بين بينيت ونتنياهو منتصراً أو مهزوماً، يتجلى في صمود الأول في حكومته، وقدرة الثاني على تشكيل حكومة جديدة، ما سيمكنه من تحويل القرارات الاستراتيجية إلى محددات عملياتية، وتعبوية، وبذا ينتقل الكيان من إدارة الصراع سياسة هدفها الرئيس شراء الهدوء في الحاضر، دون التفكير في تشكيل المستقبل إلى مهمة حفظ الوجود والعرق اليهودي.
هي لعنة العقد الثامن كما يستشعرها الزعماء الصهاينة في عمر الكيان، تجعل الاستراتيجية لدى العدو تأخذ عمق في التفكير، وتردد في التنفيذ. وإن مما يستلزم البت فيه لمواجهة التهديدات الإيرانية من جانب، والمنظمات شبه النظامية من جانب آخر، التي تهدد الكيان، بما يخص إيران وبرنامجها النووي الذي شارف على الاقتراب من عتبة امتلاك القدرة لصناعة السلاح النووي إن أرادت، وهذا ما سيمكنها من تصنيع صواريخ تحمل رؤوساً نووية، بالإضافة إلى المنظمات شبه النظامية التي تربطها مصالح دفاعية مشتركة، بل والمصير المشترك وتذكر هنا حماس، وحزب الله على وجه التحديد.
وفي ذات السياق قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتشكيل ائتلاف مكون من عشرة دول عربية مع الكيان، ما مكّن العدو من نشر منظومات دفاعية على ترابها ونشر بل ونشر جنود صهاينة على ترابها كما تم في الإمارات والبحرين.
وهذا ما خلق حضوراً عربياً مهما في هذه المرحلة الحساسة من حياة الاحتلال الصهيوني ولكن، هذا سَيُفِّعل بشكل أساسي التحالف الأمني وما بعده بين محور المقاومة الاقليمي والذي بدوره لن يقف مكتوف في مواجهة العدوان..
خلاصة القول، فإن الخلافات السياسية القائمة بين الأحزاب الصهيونية، بالتزامن مع التهديد الوجودي في ظل هاجس العقد الثامن، وتصاعد التهديد الإيراني مع اقتراب امتلاكها للسلاح النووي، وتدشين حلف ابراهام بمظلة أمريكية كي يمكِّن العدو الدفاع عن نفسه من أي هجوم إيراني، ومن عدة مواقع اقليمية، يرسم لنا تصوراً عن درجة خطورة المشهد.
فهل سيتجه العدو لعمل عسكري مبادر ضد التهديد الإيراني أم سيكتفي بالتهديدات والعمل الأمني الأمني مُحْكَمة التنفيذ والغموض أحياناً في داخل الوسط الإيراني، وما يهدد به الساحة الفلسطينية بما في ذلك قطاع غزة؟ فإن قرار صهيوني يبادر بالتصعيد سيكون الشرارة التي تتسبب في إشعال المنطقة والاقليم، ولن تكون بعيدة تقاطع النزاعات الدولية بين روسيا وأوكرانيا وبين الصين وتايون عن منطقتنا.
أضف تعليق